تعدد الزوجات
لماذا يفتح الرجل بابه لزوجة ثانية؟ هل لأنه يستند على التشريع الإسلامي الذي يحلل تعدد الزوجات ؟ أم لحاجته إلى أن يخفف صداع رأسه من زوجته الأولى، أم لأن هنالك مبررات أخرى لذلك، وهل يحل تواجد الزوجة الثانية أزمة حقيقية لدى الرجل في الوقت الذي يهز من صلابة زوجته الأولى، وقد يصيبها بالإحباط، أم أنه يقع في مزيد من التخبط، والأرق والإزعاج. ربما نتساءل أيضا هل تجلب الزوجة الثانية السعادة والفرح الذي ينقص الرجل، وتزيح عن كاهله الهموم والتعب، أم أنها تورطه بالكثير من الأعباء والمشاكل؟ و ماذا تضيف الزوجة الثانية إلى رصيد العائلة المستقرة أو غير المستقرة نفسيا وماديا؟ لكي نجيب على أسئلتنا لا بد لنا أن نقف على أرضية صلبة، لذا التقينا ببعض أصحاب الشأن الذين عايشوا التجربة أو أنهم مازالوا في طور التفكير بها، لكي نكون أكثر موضوعية، وبعيدا عن التحامل على الفكرة أو الانحياز لصالح أحد الأطراف: الزوجة أو الزوج أو الزوجة الثانية. زوجي غير عادل في إحدى القرى التقينا بليلى.س البالغة من العمر أربعا وعشرين سنة تقول لنا: أنا الزوجة الثالثة وعمري اصغر من عمر أكبر أبناء زوجي، لم يستشرني والدي أو بالأحرى لم أسمع سوى أنه الرجل الغني الذي سينقذ عائلتي من الفقر، عندما أنهيت الشهادة العامة لم يتسن لي دخول الجامعة أو الكلية، وبالتالي لم يكن لدى أهلي من الخيارات سوى أن أتزوج، وبالتأكيد لم يستطع والدي أن يرفض هذا الرجل الغني والمقتدر. سألتها: وأنت ما هو رأيك الشخصي؟ أجابتني بعد تفكير طويل: وما الذي كان بيدي أن أفعله، وكيف بإمكاني أن أكسر كلام والدي؟ سألناها: هل تعاني من زوجاته الأولى والثانية كثيرا. أجابتني: أنا أسكن مع الزوجة الأولى بنفس المنزل أما زوجته الأخرى ففي منطقة أخرى، ولم يتسن لي بعد التعرف عليها. أما علاقتي مع زوجته الأولى فهي جدا رائعة، لدرجة أنها تربي أبنائي وتحبهم، كما تربي أبناءها، وتحبهم ربما يعود هذا لكونها كبيرة في السن فهي تقريبا بعمر والدتي. مشكلتي الحقيقية مع زوجي، وليس مع شريكتي فيه، لأنه دائم الغيرة والشك عليّ حتى من أبنائه، ويفرض علي رقابته الخانقة. ولا يكتفي بذلك بل يمنعني من زيارة أقاربي خوفا من أعين أبناء عمي وخالي. سألتها: إلى متى ستستمري مع هذا الرجل الذي بلغ الستين من عمره تقول أصبح لي منه طفلان، ولا أريد من الحياة سوى أن أربي أبنائي بالشكل الجيد. تقول من المهم أن يكون الزوجان متحابين، ومتراضيين. والعيب ليس في الزوجة الثانية أو الثالثة، وإنما العيب في الزوج غير العادل . لم تعد تهتم بي أبو خالد حدثنا قائلا: أنا الآن أفكر جديا في الزواج بزوجة أخرى، ولكن من الأكيد، لن يتم ذلك إلا بعد أن أتخذ الخطوة الأولى، وهي مشاورة زوجتي الأولى لكونها أم أطفالي، وأنا أحاول أن أعالج الأمر بطريقة سلمية، وآمنة لأن الزوجة الأولى ليست هي الضحية الحقيقية وإنما الأولاد. سألناه عن الدوافع التي اضطرته للقيام بذلك، فأجابنا: مشكلتي الحقيقية لإقدامي على هذه الخطوة هي لان زوجتي كانت تهتم بي كثيرا، رغم كونها امرأة عاملة، ولكن وجود الأبناء عرقل الكثير من الحميمية بيني وبينها، وجعلها تبتعد عني بشكل كبير وتنشغل عني بالأبناء، وبالعمل بشكل مضاعف، وأنا بصراحة بحاجة إلى الاهتمام العاطفي ولا يكفيني أن تهتم عاملة منزل بالمأكل والملبس، احتاج للكثير من الحب والعاطفة لأستطيع التوازن. يقول لي: الزوجة الثانية هي الحل الملائم للابتعاد عن الحرام، ومخالفة شرع الله. فالزوج عندما يكون محروما من الكثير من متعه الشخصية، ومن الدفء الأسري سيشرع بالتفكير بامرأة أخرى، ولكي يبعد نفسه عن مأزق الحرام عليه أن يفكر مباشرة بالزوجة الثانية كحل حقيقي وصائب، ولكن على الزوج عندما يشرع بالتفكير بالثانية أن يضع في عين الاعتبار الشعور بالمسؤولية تجاه زوجته الأولى، وذلك بأن يأخذ بمشورتها، وأن لا ينقص من حقها، وحق أبنائها حتى الأبناء لهم الحق في المشورة ويجب أن نضعهم في الصورة الطبيعة للموقف الجديد، كما لا بد أن تتوفر لديه القدرة المالية والجسدية و العدل. سامحته لأني مقصرة فاطمة محمد تخبرنا عن تجربتها كونها الزوجة الأولى، وزوجها تزوج عليها امرأة أخرى حيث تقول لنا إنها تزوجت،وهي في الرابعة عشرة من عمرها بعد أن أخذ والدها بمشورتها، ولكنها كانت لا تجيد الطبخ لذا تزوج بامرأة أخرى فاجأني كلامها كثيرا وسألتها: هل تعتقدين أن عدم قدرتك على الطبخ مبرر مناسب ليتزوج عليك؟ أجابتني بمفاجأة أخرى: بالتأكيد كان من حقه أن يتزوج لأني كنت صغيرة على كل شيء، ولا أجيد الاهتمام به، والعناية بمأكله ومشربه. سألتها عن شعورها فقالت لي: انزعجت كثيرا بادئ الأمر، ولكن سرعان ما تأقلمت معها لأني أحب زوجي كثيرا ولست مستعدة لخسارته، ثم إنه يوفر لي حقوقي كاملة، لذا لن أقصر معه بل على العكس أسعى دائما لاستلطاف زوجته، وأتودد لها، ولا أتسبب في المشاكل ليشعر زوجي لدى عودته من عمله بالسكينة، والاطمئنان. بديل للعاملة الوافدة أبو علي أدهشني بمنطقه الغريب والهدوء الذي تكلم به عن الزوجة الثانية قال لي: أنا أعاني كثيرا من مشكلة البحث عن عاملة منزل وللأسف الشديد لا تتوفر العاملات هذه الأيام بسهولة فهي بحاجة للكثير من الإجراءات المعقدة. لذا فكرت مليا بالزوجة الثانية.سألته بغضب: الزوجة بدل العاملة الوافدة ؟ رد عليّ بهدوء: هذه مشكلتنا الحقيقية أننا شعوب عاطفية، ونحسب الأمور من جانبها الشكلي والانفعالي، ولكن لو فكرنا جيدا، سنكتشف جوانب عملية كثيرة للزوجة الثانية فأنا مثلا أعمل، ولدي زوجة عاملة، واحتاج إلى امرأة تعمل في المنزل،وتهتم بالملبس والمأكل، وتربية الأبناء. لا أدري لماذا ذكرني منطقه الغريب عن الزوجة الثانية بزمن الجاريات الذي ولى منذ زمن . يتابع كلامه قائلا: الأمر أهون مما يعتقد البشر فإذا تزوجت أنا من فتاة لم تحصل على فرصة للعمل، ولم تجد من يتزوجها، وأنا قادر على توفير كافة احتياجاتها فما المشكلة في ذلك؟ بالمقابل سأحاول جاهدا أن أعدل بينهما، في حين أن واحدة تهتم بالعمل الخارجي، والأخرى تهتم بالشؤون المنزلية . يضيف معلقا: يجب علينا أن لا ننتقص من أهمية العمل المنزلي، أو نقلل من شأن المرأة التي تعمل لخدمة زوجها، ومستلزمات بيتها. أنماط تفكير الرجل بعد جملة من اللقاءات مع نماذج مختلفة من البشر التقينا بالدكتورة منال فاروق أستاذ مساعد في علم الاجتماع، والعمل الاجتماعي كلية الآداب والعلوم الاجتماعية جامعة السلطان قابوس. لنسألها عن هذه الإشكالية التي ليست بغريبة عن مجتمعنا العربي أو العماني على وجه التحديد. تقول لنا: الرجل العربي أو الشرقي ينقسم إلى نمطين من الرجال. النمط العادي المتعارف عليه والذي يحب حياة الاستقرار وأن تكون له أسرة وأبناء ويحب أن يتحمل المسؤولية، وعندما يتعرض لموقف صادم في حياته كأن لا يجد توافق مع زوجته لعدم وجود نمط مشترك من التفاهم بينهما أو التعرض في مرحلة من مراحل الارتباط لإهمال الزوجة أو عدم قيامها بالأعمال المنوطة بها و من هنا قد يفكر هذا الزوج بالزوجة الثانية كحل لمشاكله وتعبه اليومي. النمط الآخر من الرجال هو النمط الذي يفكر باحتياجاته الشخصية على حساب زوجته وأبنائه، ويستغل هذا الحق الشرعي بحجة أنه حق له كرجل، وهذا النوع يمكن أن يتزوج الثانية والثالثة والرابعة حتى دون مبررات كافية وقد تكون الزوجة لا يوجد لديها أي نوع من النقص أو العيوب أو التقصير الذي يحاسب عليه الزوج زوجته بأن يتزوج عليها وفي نفس الوقت قد لا يملك القدرات المالية والاجتماعية والثقافية التي تمكنه من الارتباط بامرأة أخرى فهو يفكر بزوجة ثانية لمجرد أن يشبع غرائزه بنوع من الأنانية المفرطة. مسؤولية الزوجة الأولى يقع على الزوجة الأولى عبء كبير من المسؤولية في تفكير زوجها بالزوجة الثانية إذا كانت تشاركه الأسباب التي أدت إلى أن يتزوج الثانية ومن هذا أنها لم تبذل جهدا لتسعد زوجها وهي تبدأ من مستويات كثيرة جدا ومتنوعة من اهتمامها به كزوج إلى مرحلة التجاوب معه في الحياة سواء في الثقافة والفكر إلى مشاركته في الناحية العاطفية والوجدانية والقيام بالمسؤوليات كما أمرها الله تعالى. المستوى البيئي والتعليمي هل هنالك علاقة بين ارتفاع نسبة التزوج بالزوجة الثانية، وبين البيئة التي ينشأ فيها الرجل والمرأة؟ وهل له علاقة بالبنية الفكرية؟ في هذا الصدد تجيب الدكتورة: نحن نفرق بين المستوى العقلي والفكري والحقوق والواجبات التي تعطى للذكر والأنثى .. الأنثى في كثير من مراحل حياتها تشعر أنها الأقل في مستوى الذكاء، والحقوق عن الرجل، لكن عليها واجبات وحقوق لا بد أن تؤديها كاملة للرجل . دون أي مناقشة أو حوار ربما هذا النوع من التربية ومن التفكير والثقافة السائدة ساهم بدور كبير في تنشئة هذا النوع من الثقافة في مجتمعاتنا العربية. فالثقافة الخاطئة المتعلقة بدور الرجل في الأسرة من مثل اتخاذه لقرارات كثيرة تسلطية في الأسرة ولا مبرر لصحتها، ومن خلال أيضا تسلطه على زوجته، وكونه أنانيا يطالب بحقوقه ويتغافل عن واجباته وبالتالي نجد أن المجتمع يكرس هذه الأفكار، ويساهم في تفشيها.أما عن الناحية الثقافية، والدينية فتضيف الدكتورة أن لهما دورا كبيرا في مسألة اتخاذ القرار في التزوج بالثانية، فنلحظ أنه كلما زاد وعي الرجل، ومستواه التعليمي كلما ساهم هذا في أن يفكر بشكل أكثر عقلانية وأن لا يظلم زوجته ويراعي مشاعرها. التنشئة الاجتماعية اعتقد أن المسألة ترتبط بالبنية الفكرية أكثر من ارتباطها بالبيئة بين الريف والمدينة ولكن ينبغي أن نشير إلى أن المجتمع الريفي هو الأكثر تمسكا بالعادات والتقاليد والقيم والأعراف، والتعصب القبلي، بالإضافة إلى الرغبة في كثرة الإنجاب لذا ربما بذلك يجوز لنا أن نقول يحصل أن تكون نسبة الزوجة الثانية في الريف أعلى من المدينة . التنشئة الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تنمية شخصية الرجل والمرأة وتفاوت أنماط التفكير إلا أن بعض الدراسات التي أجريناها بدأت تشير إلى أن هناك تغيرا في النظرة إلى الحياة الأسرية، وكيفية اختيار المرأة، وكيفية معاملتها. في البداية كانت المجتمعات العربية تهتم بالناحية الشكلية، والقبلية والجمالية ولكن الرجل الآن تغير توجهه أصبح يبحث عن امرأة تلائم مستواه التعليمي، والمهني وتشاركه الناحية الفكرية. وجود زوجة ثانية هل وجود زوجة ثانية يحل المشكلة؟ لكي نكون أكثر موضوعية الزوجة الثانية في كثير من الظروف تحل الكثير من الإشكالات، وبالمقابل في حالات أخرى وجودها في حد ذاته يشكل مشكلة . بعض نوعية المشاكل التي يضطر فيها الزوج إلى الزوجة الثانية تكون مقنعة وحقيقية وبالتالي فإنها توجد نتائج إيجابية وذلك مثل عدم إنجاب الزوجة الأولى فالرغبة الطبيعية أن يشعر الرجل بحاجته في أن يكون أبا، وفي حالة أخرى أيضا أن تكون الزوجة مريضة بأحد الأمراض المستعصية . أو عندما تكون الزوجة (نكدية) بمعنى أنها لا تجيد سوى أن تسود عيشته، وتجعل أعصابه تنهار من تقصيرها المبالغ أو غيرتها الزائدة وغيرها الكثير من الأسباب التي يجب على الزوج أن يكون منطقيا، وينظر إلى قابلية أن تطور الأمور إلى مشاكل جسيمة أو أنها عابرة ويمكن أن تختفي مع الوقت، ويحصل أن تكون هناك أسباب كافية كما يحصل أيضا أن يكون الرجل من النمط الأناني الذي تكلمنا عنه سابقا. الثانية لا تحل العنوسة هنالك من يتذرع بأن الزوجة الثانية حل لمشكلة العنوسة المرتفعة؟ تجيبنا: ليس حل مشكلة العنوسة التفكير بالزوجة الثانية، وهدم الأسر التي تكون مستقرة فالرجل عادة ما يتذرع بذلك وعندما يأتي لينتقي الفتاة نجده يبحث عن الفتاة الصغيرة، والجميلة.. بمعنى أنه لا يبحث عن حل لمشكلة العنوسة، وإنما يبحث عما يشبع غرائزه إلا قليل من الرجال ذوي النوايا الحسنة، وبالتالي نجد هنا أن الرجل لم يحل مشكلة بل على العكس اقترف الكثير من الأخطاء وخسر بهجة عائلته، وزوجته وأبنائه. فليس حل المشكلة بمشكلة.
حوار هدى الجهوري(بتصرف) عمان-مسقط
عدل سابقا من قبل في 05.01.08 19:30 عدل 2 مرات