كم نحن مسكونين بالأساطير!
كيف
يفهم أحدنا نفسه؟
وكيف يفهم العالم من حوله؟
وما هي مداخل رؤيته إلى
(الوجود) جملةً وتفصيلاً؟!
ما هي الخلفيات الأسطورية التي يصدر عنها في
تفسير العالم؟
وما هي نسبة الخرافة في إدراكه للموجودات، وفي طرائق
تفكيره؟!
اسئلة كثيرة تثور فى اذهاننا عندما نرغب فى عرض موضوع شائك مثل موضوع
الجن وهل موجود فعلاً ام لا ؟؟ وماهو شكل العلاقة التى يمكن ان تكون بين مخلوقين من
نوعين مختلفين ؟؟
وهل نحن الآن بحاجة الى اثارة موضوعات مثل الجن والخرافة
والزار وكيف نعالج من به مس من الشيطان ؟؟ وهل الجن هو الشيطان ؟؟
وهل يصح ان
نعرض مثل هذة الموضوعات فى الوقت الذى يرسل فيه العالم المتحضر مركبات فضاء لسبر
اغوار الكواكب الخارجية والمجرات الاخرى والكون الهائل ونحن هنا لانزال نتحدث عن
الجن وغيره ؟؟؟
اسئلة كثيرة متنوعة سنحاول الاجابة عليها فى هذا العرض
مؤكدين على اننا لانرغب ولانساهم فى نشر أو دعم اى ثقافة خوف سائدة فى ريف أو حضر
المجتمعات العربية ولانرغب فى اثارة او تدعيم ثقافة الخوف السائدة لدينا من كل ماهو
غيبى 00 خاصة ان المجتمعات العربية تعشق ظاهرة المؤامرة وترى ان كل ما تمر به ليس
الا تدبير خارجى أو بفعل فعال 00
بطبيعة الحال لايستطيع احد ان ينكر
وجود (الجن)، فهذا الكون مليء بالكائنات، وقد عرفنا القليل منها، ومازلنا نجهل
الكثير. وكلمة (الجن) في اللغة العربية نقيض (الإنس)، سمّوا بذلك لاستتارهم عن
الناس، والإنسي من الأشياء يعني كل ما هو مرئي ومعروف، والجني من الأشياء يعني كل
ما هو مجهول أو غامض.
والحق أن النسبة النامية للنزعة الأسطورية وللخرافة
في تفكير الناس قديمًا هي التي جعلتهم يضخّمون بعض الأحداث، وينسبونها إلى الجن، بل
إن كثيرين استغلّوا الخوف من الجن بوعي لتحقيق أغراض مادية ومعنوية.
فالذين
يبحثون عن المال والجاه والشهرة، من بعض المرتزقة باسم الدين ومعدومي الضمير، ما
الذي يمنعهم من تسليط الخوف من الجن على رقاب البسطاء من الناس؟! فالبسطاء يهرعون
إليهم ويستنجدون بهم ليعصموهم من ذلك العدو الغامض، فيجودون عليهم حينئذ ببعض
التمائم والأكاذيب، ويسلبونهم أموالهم.
نذكر هنا في هذا المجال روايتين
إحداهما قديمة، والأخرى حديثة.
أما الأولى ذكرت في بعض كتب التاريخ،ومفادها
أنه في عهد الدولة العباسية انتشر الخبر أن ثمة جنيًا غريب الأطوار يظهر ليلاً في
منطقة موحشة من بعض الطرق الموصلة إلى (بغداد)، ويثير الذعر في قلوب المسافرين.
فتحاشى الناس المرور بتلك المنطقة ليلاً.
وذات ليلة مرّ أحد المسافرين
الشجعان بتلك المنطقة، فظهر له ذلك الكائن الغريب، كان له شكل غير عادي، وكان يصدر
أصواتًا غريبة، ويقوم بحركات مريبة، لكن الرجل تماسك، واستلّ سيفه، وانقضّ على ذلك
الكائن الغامض، وسرعان ما تراجع الكائن هاربًا، وطارده الرجل، وأمسك به، وسرعان ما
انكشفت الحقيقة.
إن ذلك الجني لم يكن سوى امرأة، ورجت الرجل ألا يقتلها،
وذكرت أنها جارية لبني فلان، كانوا يظلمونها، ففرّت إلى تلك البراري، ولجأت إلى ذلك
الكهف القريب من ذلك المكان، وراحت تتظاهر ليلاً بأنها جنية، وتقطع الطريق على
المسافرين، فيولّون فرارًا، فتأخذ بعض ما يتركونه وراءهم من متاع وأموال، وكانت
تجمع تلك الأشياء في الكهف.
وأما حديثًا فجاء في كتاب موسوعة حلب لـ (خير
الدين الأسدي) أنه كان في حلب- خلال بدايات القرن العشرين- أحد القصور القديمة..
كان قصرًا فخمًا ومع ذلك تحاشى الناس السكن فيه شراء أو استئجارًا؛ إذ شاع الخبر
أنه مسكون بالجن.
وذات مرة تزوّج أحد شطّار حلب المعروفين بالرجولة ، وقرر
أن يتخذ بعض غرف ذلك القصر مسكنًا له ولعروسه، فحذّره الناس من الجن، لكنه لم يلتفت
إلى أقوالهم، فهو يعمل عتّالاً ولا يملك دارًا، وليس عنده من المال ما يستأجر به
دارًا مناسبة.
وفي بعض الليالي خرج الزوج لبعض أموره، وبقيت زوجته وحدها في
الدار، وبعد حلول الظلام- ولم تكن حلب منارة بالكهرباء حينذاك- إذا بها ترى من زجاج
النافذة شبحين يظهران في فناء القصر، ويقومان بحركات غريبة، ويصدران أصواتًا غامضة،
فدبّ الذعر في قلب المرأة، وكادت تموت رعبًا، ولم يبق عندها شك أن هذين الشبحين من
الجن، ولما رجع الزوج، ذكرت له الخبر، ورفضت البقاء في ذلك القصر، لكن الزوج
طمأنها، وأكّد لها أنه سيجد مخرجًا لهذه المشكلة.
وفي الليالي التاليات لزم
الزوج الدار.. وفي منتصف الليل إذ بالشبحين يظهران ثانية، ويقومان بما قاما به
سابقًا، ويقتربان من النافذة والباب، وسرعان ما انقضّ عليهما الزوج من خلف الباب،
وأمسك بأحدهما، وإذا به يستغيث قائلاً:( دخيلك ! لا تقتلني.. أنا فلان!)، وإذا هو
أحد الشطّار أيضًا. وسأله الزوج عن السر فيما يقوم به هو وصاحبه. فذكر أن أحد
الأغنياء في الحارة يريد شراء القصر بثمن زهيد، فأشاع الخبر أن القصر مسكون بالجن،
وقد استأجرهما ليظهرا ليلاً لكل من يشتري القصر أو يسكنه على أنهما من الجن، فصدق
الناس الإشاعة، ولم يجرؤ أحد على شراء القصر أو استئجاره.
وغير هاتين
القصتين نجد أن الخيال لعب دورا مهما في رسم صور الجن والشياطين والأشكال المختلفة
التي رأيناها لهذه المخلوقات في الكتب واللوحات الفنية وحتى في الأفلام السينمائية
نجد العديد من الأفلام تعرضت لهذا العالم الغامض
أجل وبحق للخرافة حضور
طاغٍ في آليات تفكيرنا، وكانت الأسطورة أحد مداخلنا إلى فهم العالم من حولنا، وكان
غياب الخرافات والأساطير من حياة أبناء الريف حينذاك يعني دمار رؤيتهم الوجودية،
وتركهم معلّقين في الفراغ. اما الان فنحن بحاجة إلى مزيد من الوقت، وإلى كثير من
الصراع مع المناخ الثقافي السائد من ناحية، والصراع مع الذات من ناحية أخرى، للخروج
من دائرة الفكر الأسطوري، وامتلاك رؤية ممتنعة على الخوف من الكائنات الخرافية،
والتعامل مع مكوّنات هذا العالم بقدر أكبر من الثقة والأمان والواقعية.
كيف
يفهم أحدنا نفسه؟
وكيف يفهم العالم من حوله؟
وما هي مداخل رؤيته إلى
(الوجود) جملةً وتفصيلاً؟!
ما هي الخلفيات الأسطورية التي يصدر عنها في
تفسير العالم؟
وما هي نسبة الخرافة في إدراكه للموجودات، وفي طرائق
تفكيره؟!
اسئلة كثيرة تثور فى اذهاننا عندما نرغب فى عرض موضوع شائك مثل موضوع
الجن وهل موجود فعلاً ام لا ؟؟ وماهو شكل العلاقة التى يمكن ان تكون بين مخلوقين من
نوعين مختلفين ؟؟
وهل نحن الآن بحاجة الى اثارة موضوعات مثل الجن والخرافة
والزار وكيف نعالج من به مس من الشيطان ؟؟ وهل الجن هو الشيطان ؟؟
وهل يصح ان
نعرض مثل هذة الموضوعات فى الوقت الذى يرسل فيه العالم المتحضر مركبات فضاء لسبر
اغوار الكواكب الخارجية والمجرات الاخرى والكون الهائل ونحن هنا لانزال نتحدث عن
الجن وغيره ؟؟؟
اسئلة كثيرة متنوعة سنحاول الاجابة عليها فى هذا العرض
مؤكدين على اننا لانرغب ولانساهم فى نشر أو دعم اى ثقافة خوف سائدة فى ريف أو حضر
المجتمعات العربية ولانرغب فى اثارة او تدعيم ثقافة الخوف السائدة لدينا من كل ماهو
غيبى 00 خاصة ان المجتمعات العربية تعشق ظاهرة المؤامرة وترى ان كل ما تمر به ليس
الا تدبير خارجى أو بفعل فعال 00
بطبيعة الحال لايستطيع احد ان ينكر
وجود (الجن)، فهذا الكون مليء بالكائنات، وقد عرفنا القليل منها، ومازلنا نجهل
الكثير. وكلمة (الجن) في اللغة العربية نقيض (الإنس)، سمّوا بذلك لاستتارهم عن
الناس، والإنسي من الأشياء يعني كل ما هو مرئي ومعروف، والجني من الأشياء يعني كل
ما هو مجهول أو غامض.
والحق أن النسبة النامية للنزعة الأسطورية وللخرافة
في تفكير الناس قديمًا هي التي جعلتهم يضخّمون بعض الأحداث، وينسبونها إلى الجن، بل
إن كثيرين استغلّوا الخوف من الجن بوعي لتحقيق أغراض مادية ومعنوية.
فالذين
يبحثون عن المال والجاه والشهرة، من بعض المرتزقة باسم الدين ومعدومي الضمير، ما
الذي يمنعهم من تسليط الخوف من الجن على رقاب البسطاء من الناس؟! فالبسطاء يهرعون
إليهم ويستنجدون بهم ليعصموهم من ذلك العدو الغامض، فيجودون عليهم حينئذ ببعض
التمائم والأكاذيب، ويسلبونهم أموالهم.
نذكر هنا في هذا المجال روايتين
إحداهما قديمة، والأخرى حديثة.
أما الأولى ذكرت في بعض كتب التاريخ،ومفادها
أنه في عهد الدولة العباسية انتشر الخبر أن ثمة جنيًا غريب الأطوار يظهر ليلاً في
منطقة موحشة من بعض الطرق الموصلة إلى (بغداد)، ويثير الذعر في قلوب المسافرين.
فتحاشى الناس المرور بتلك المنطقة ليلاً.
وذات ليلة مرّ أحد المسافرين
الشجعان بتلك المنطقة، فظهر له ذلك الكائن الغريب، كان له شكل غير عادي، وكان يصدر
أصواتًا غريبة، ويقوم بحركات مريبة، لكن الرجل تماسك، واستلّ سيفه، وانقضّ على ذلك
الكائن الغامض، وسرعان ما تراجع الكائن هاربًا، وطارده الرجل، وأمسك به، وسرعان ما
انكشفت الحقيقة.
إن ذلك الجني لم يكن سوى امرأة، ورجت الرجل ألا يقتلها،
وذكرت أنها جارية لبني فلان، كانوا يظلمونها، ففرّت إلى تلك البراري، ولجأت إلى ذلك
الكهف القريب من ذلك المكان، وراحت تتظاهر ليلاً بأنها جنية، وتقطع الطريق على
المسافرين، فيولّون فرارًا، فتأخذ بعض ما يتركونه وراءهم من متاع وأموال، وكانت
تجمع تلك الأشياء في الكهف.
وأما حديثًا فجاء في كتاب موسوعة حلب لـ (خير
الدين الأسدي) أنه كان في حلب- خلال بدايات القرن العشرين- أحد القصور القديمة..
كان قصرًا فخمًا ومع ذلك تحاشى الناس السكن فيه شراء أو استئجارًا؛ إذ شاع الخبر
أنه مسكون بالجن.
وذات مرة تزوّج أحد شطّار حلب المعروفين بالرجولة ، وقرر
أن يتخذ بعض غرف ذلك القصر مسكنًا له ولعروسه، فحذّره الناس من الجن، لكنه لم يلتفت
إلى أقوالهم، فهو يعمل عتّالاً ولا يملك دارًا، وليس عنده من المال ما يستأجر به
دارًا مناسبة.
وفي بعض الليالي خرج الزوج لبعض أموره، وبقيت زوجته وحدها في
الدار، وبعد حلول الظلام- ولم تكن حلب منارة بالكهرباء حينذاك- إذا بها ترى من زجاج
النافذة شبحين يظهران في فناء القصر، ويقومان بحركات غريبة، ويصدران أصواتًا غامضة،
فدبّ الذعر في قلب المرأة، وكادت تموت رعبًا، ولم يبق عندها شك أن هذين الشبحين من
الجن، ولما رجع الزوج، ذكرت له الخبر، ورفضت البقاء في ذلك القصر، لكن الزوج
طمأنها، وأكّد لها أنه سيجد مخرجًا لهذه المشكلة.
وفي الليالي التاليات لزم
الزوج الدار.. وفي منتصف الليل إذ بالشبحين يظهران ثانية، ويقومان بما قاما به
سابقًا، ويقتربان من النافذة والباب، وسرعان ما انقضّ عليهما الزوج من خلف الباب،
وأمسك بأحدهما، وإذا به يستغيث قائلاً:( دخيلك ! لا تقتلني.. أنا فلان!)، وإذا هو
أحد الشطّار أيضًا. وسأله الزوج عن السر فيما يقوم به هو وصاحبه. فذكر أن أحد
الأغنياء في الحارة يريد شراء القصر بثمن زهيد، فأشاع الخبر أن القصر مسكون بالجن،
وقد استأجرهما ليظهرا ليلاً لكل من يشتري القصر أو يسكنه على أنهما من الجن، فصدق
الناس الإشاعة، ولم يجرؤ أحد على شراء القصر أو استئجاره.
وغير هاتين
القصتين نجد أن الخيال لعب دورا مهما في رسم صور الجن والشياطين والأشكال المختلفة
التي رأيناها لهذه المخلوقات في الكتب واللوحات الفنية وحتى في الأفلام السينمائية
نجد العديد من الأفلام تعرضت لهذا العالم الغامض
أجل وبحق للخرافة حضور
طاغٍ في آليات تفكيرنا، وكانت الأسطورة أحد مداخلنا إلى فهم العالم من حولنا، وكان
غياب الخرافات والأساطير من حياة أبناء الريف حينذاك يعني دمار رؤيتهم الوجودية،
وتركهم معلّقين في الفراغ. اما الان فنحن بحاجة إلى مزيد من الوقت، وإلى كثير من
الصراع مع المناخ الثقافي السائد من ناحية، والصراع مع الذات من ناحية أخرى، للخروج
من دائرة الفكر الأسطوري، وامتلاك رؤية ممتنعة على الخوف من الكائنات الخرافية،
والتعامل مع مكوّنات هذا العالم بقدر أكبر من الثقة والأمان والواقعية.