رسالة في حكم السحر والكهانة وتسخير
الجان
من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن الباز
نظرا لكثرة المشعوذين في
الآونة الأخيرة ممن يدعون الطب ويعالجون عن طريق السحر أو تسخير الجان أو الكهانة،
وانتشارهم في بعض البلاد، واستغلالهم للسذج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل - رأيت
من باب النصيحة لله ولعباده أن أبين ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين
لما فيه من التعلق بغير الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله .
فأقول
مستعينا بالله تعالى يجوز التداوي اتفاقا، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنية
أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك ؛ ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية
المباحة شرعا حسبما يعرفه في علم الطب ؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية ولا
ينافي التوكل على الله، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء عرف
ذلك من عرفه وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم.
فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة الذين يدعون معرفة المغيبات ليعرف منهم
مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجما بالغيب، أو
يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال إذا ادعوا
علم الغيب، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي قال: { من أتى عرافا فسأله عن شيء لم
تقبل له صلاة أربعين يوما } وعن أبي هريرة عن النبي قال: { من أتى كاهنا فصدقه بما
يقول فقد كفر بما أنزل على محمد } [رواه أبو داود وخرجه أهل السنن الأربع]، وصححه
الحاكم عن النبي بلفظ: { من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل
على محمد } وعن عمران بن حصين قال قال رسول الله : { ليس منا من تطير أو تطير له أو
تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل
على محمد } [رواه البزار بإسناد جيد].
ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن
إتيان العرافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد على ذلك،
فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان
الكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئا من ذلك في الأسواق وغيرها والإنكار
عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض
الأمور ولا بكثرة من يأتي إليهم من الناس فإنهم جهال لا يجوز اغترار الناس بهم؛ لأن
الرسول قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر
الجسيم والعواقب الوخيمة ولأنهم كذبة فجرة.
كما أن في هذه الأحاديث دليلا
على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، ولأنهما لا يتوصلان إلى
مقصدهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله وذلك كفر بالله وشرك به سبحانه
والمصدق لهم في دعواهم علم الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها
فقد برئ منه رسول الله ، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجا كنمنمتهم
بالطلاسم أو صب الرصاص ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة
والتلبيس على الناس ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم.
كما لا
يجوز أيضا لأحد من المسلمين أن يذهب إليهم ليسألهم عمن سيتزوج ابنه أو قريبه أو عما
يكون بين الزوجين وأسرتيهما من المحبة والوفاء أو العداوة والفراق ونحو ذلك؛ لأن
هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
والسحر من المحرمات
الكفرية كما قال الله عز وجل في شأن الملكين في سورة البقرة: وَمَا يُعَلِّمَانِ
مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ
مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ
فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ [البقرة:102].
فدلت هذه الآيات الكريمة على أن السحر كفر وأن
السحرة يفرقون بين المرء وزوجه. كما دلت على أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعا ولا ضرا
وإنما يؤثر بإذن الله لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخير والشر.
ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن
المشركين ولبسوا بها على ضعفاء العقول فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم
الوكيل.
كما دلت الآية الكريمة على أن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما
يضرهم ولا ينفعهم وأنه ليس لهم عند الله من خلاق أي: (من حظ ونصيب)، وهذا وعيد عظيم
يدل على شدة خسارتهم في الدنيا والآخرة، وأنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان، ولهذا
ذمهم الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ والشراء هنا بمعنى البيع.
نسأل الله العافية
والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين، كما نسأله سبحانه أن يقي المسلمين
شرهم، وأن يوفق حكام المسلمين للحذر منهم وتنفيذ حكم الله فيهم حتى يستريح العباد
من ضررهم وأعمالهم الخبيثة إنه جواد كريم.
وقد شرع الله سبحانه لعباده ما
يتقون به شر السحر قبل وقوعه، وأوضح لهم سبحانه ما يعالج به بعد وقوعه رحمة منه
لهم، وإحسانا منه إليهم، وإتماما لنعمته عليهم.
وفيما يلي بيان للأشياء
التي يتقى بها خطر السحر قبل وقوعه والأشياء التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور
المباحة شرعا:
أما ما يتقى به خطر السحر قبل وقوعه فأهم ذلك وأنفعه هو:
التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والتعوذات المأثورة، ومن ذلك قراءة آية الكرسي
خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك قراءتها عند النوم،
وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا
بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ
بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
[البقرة:255].
ومن ذلك قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الاخلاص:1]، و
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
[الناس:1]، خلف كل صلاة مكتوبة وقراءة هذه السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار
بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب، وعند النوم، ومن ذلك قراءة الآيتين
من آخر سورة البقرة في أول الليل وهما قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ
إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]
إلى آخر السورة.
وقد صح عن رسول الله أنه قال: { من قرأ آية الكرسي في ليلة
لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح }، وصح عنه أيضا أنه قال: { من
قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه } والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل
سوء.
ومن ذلك: الإكثار من التعوذ بـ"كلمات الله التامات من شر ما خلق" في
الليل والنهار، وعند نزول أي منزل في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر لقول
النبي : { من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء
حتى يرتحل من منزله ذلك }. ومن ذلك أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث
مرات: { بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع
العليم } لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله ، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء.
وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور
لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة بالله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي
أيضا من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله
سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس.
ومن الأدعية الثابتة عنه في علاج
الأمراض من السحر وغيره وكان يرقي بها أصحابه: { اللهم رب الناس اذهب البأس واشف
أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما } يقولها ثلاثا، ومن ذلك الرقية
التي رقى بها جبرائيل النبي وهي قوله: { بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل
نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك } وليكرر ذلك ثلاث مرات.
هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي يتقى بها السحر ويعالج بها والله ولي
التوفيق.
وأما علاجه بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره
من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر. فالواجب الحذر
من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون
لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذر
الرسول من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم كما سبق بيان ذلك في أول هذه الرسالة. وقد صح
عن رسول الله : { أنه سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان } [رواه الإمام أحمد
وأبو داود بإسناد جيد].
والنشرة هي حل السحر عن المسحور ومراده بكلامه هذا
النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية، وهي: سؤال الساحر ليحل السحر، أو حله بسحر مثله
من ساحر آخر.
أما حله بالرقية والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس
بذلك كما تقدم. وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم، والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح
المجيد رحمة الله عليهما، ونص على ذلك أيضا غيرهما من أهل العلم.
والله
المسئول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء، وأن يحفظ عليهم دينهم، ويرزقهم الفقه
فيه، والعافية من كل ما خالف شرعه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله
وصحبه
الجان
من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن الباز
نظرا لكثرة المشعوذين في
الآونة الأخيرة ممن يدعون الطب ويعالجون عن طريق السحر أو تسخير الجان أو الكهانة،
وانتشارهم في بعض البلاد، واستغلالهم للسذج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل - رأيت
من باب النصيحة لله ولعباده أن أبين ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين
لما فيه من التعلق بغير الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله .
فأقول
مستعينا بالله تعالى يجوز التداوي اتفاقا، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنية
أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك ؛ ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية
المباحة شرعا حسبما يعرفه في علم الطب ؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية ولا
ينافي التوكل على الله، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء عرف
ذلك من عرفه وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم.
فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة الذين يدعون معرفة المغيبات ليعرف منهم
مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجما بالغيب، أو
يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال إذا ادعوا
علم الغيب، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي قال: { من أتى عرافا فسأله عن شيء لم
تقبل له صلاة أربعين يوما } وعن أبي هريرة عن النبي قال: { من أتى كاهنا فصدقه بما
يقول فقد كفر بما أنزل على محمد } [رواه أبو داود وخرجه أهل السنن الأربع]، وصححه
الحاكم عن النبي بلفظ: { من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل
على محمد } وعن عمران بن حصين قال قال رسول الله : { ليس منا من تطير أو تطير له أو
تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل
على محمد } [رواه البزار بإسناد جيد].
ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن
إتيان العرافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد على ذلك،
فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان
الكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئا من ذلك في الأسواق وغيرها والإنكار
عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض
الأمور ولا بكثرة من يأتي إليهم من الناس فإنهم جهال لا يجوز اغترار الناس بهم؛ لأن
الرسول قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر
الجسيم والعواقب الوخيمة ولأنهم كذبة فجرة.
كما أن في هذه الأحاديث دليلا
على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، ولأنهما لا يتوصلان إلى
مقصدهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله وذلك كفر بالله وشرك به سبحانه
والمصدق لهم في دعواهم علم الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها
فقد برئ منه رسول الله ، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجا كنمنمتهم
بالطلاسم أو صب الرصاص ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة
والتلبيس على الناس ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم.
كما لا
يجوز أيضا لأحد من المسلمين أن يذهب إليهم ليسألهم عمن سيتزوج ابنه أو قريبه أو عما
يكون بين الزوجين وأسرتيهما من المحبة والوفاء أو العداوة والفراق ونحو ذلك؛ لأن
هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
والسحر من المحرمات
الكفرية كما قال الله عز وجل في شأن الملكين في سورة البقرة: وَمَا يُعَلِّمَانِ
مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ
مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ
فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ [البقرة:102].
فدلت هذه الآيات الكريمة على أن السحر كفر وأن
السحرة يفرقون بين المرء وزوجه. كما دلت على أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعا ولا ضرا
وإنما يؤثر بإذن الله لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخير والشر.
ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن
المشركين ولبسوا بها على ضعفاء العقول فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم
الوكيل.
كما دلت الآية الكريمة على أن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما
يضرهم ولا ينفعهم وأنه ليس لهم عند الله من خلاق أي: (من حظ ونصيب)، وهذا وعيد عظيم
يدل على شدة خسارتهم في الدنيا والآخرة، وأنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان، ولهذا
ذمهم الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ والشراء هنا بمعنى البيع.
نسأل الله العافية
والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين، كما نسأله سبحانه أن يقي المسلمين
شرهم، وأن يوفق حكام المسلمين للحذر منهم وتنفيذ حكم الله فيهم حتى يستريح العباد
من ضررهم وأعمالهم الخبيثة إنه جواد كريم.
وقد شرع الله سبحانه لعباده ما
يتقون به شر السحر قبل وقوعه، وأوضح لهم سبحانه ما يعالج به بعد وقوعه رحمة منه
لهم، وإحسانا منه إليهم، وإتماما لنعمته عليهم.
وفيما يلي بيان للأشياء
التي يتقى بها خطر السحر قبل وقوعه والأشياء التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور
المباحة شرعا:
أما ما يتقى به خطر السحر قبل وقوعه فأهم ذلك وأنفعه هو:
التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والتعوذات المأثورة، ومن ذلك قراءة آية الكرسي
خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك قراءتها عند النوم،
وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا
بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ
بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
[البقرة:255].
ومن ذلك قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الاخلاص:1]، و
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
[الناس:1]، خلف كل صلاة مكتوبة وقراءة هذه السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار
بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب، وعند النوم، ومن ذلك قراءة الآيتين
من آخر سورة البقرة في أول الليل وهما قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ
إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]
إلى آخر السورة.
وقد صح عن رسول الله أنه قال: { من قرأ آية الكرسي في ليلة
لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح }، وصح عنه أيضا أنه قال: { من
قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه } والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل
سوء.
ومن ذلك: الإكثار من التعوذ بـ"كلمات الله التامات من شر ما خلق" في
الليل والنهار، وعند نزول أي منزل في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر لقول
النبي : { من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء
حتى يرتحل من منزله ذلك }. ومن ذلك أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث
مرات: { بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع
العليم } لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله ، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء.
وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور
لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة بالله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي
أيضا من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله
سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس.
ومن الأدعية الثابتة عنه في علاج
الأمراض من السحر وغيره وكان يرقي بها أصحابه: { اللهم رب الناس اذهب البأس واشف
أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما } يقولها ثلاثا، ومن ذلك الرقية
التي رقى بها جبرائيل النبي وهي قوله: { بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل
نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك } وليكرر ذلك ثلاث مرات.
هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي يتقى بها السحر ويعالج بها والله ولي
التوفيق.
وأما علاجه بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره
من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر. فالواجب الحذر
من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون
لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذر
الرسول من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم كما سبق بيان ذلك في أول هذه الرسالة. وقد صح
عن رسول الله : { أنه سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان } [رواه الإمام أحمد
وأبو داود بإسناد جيد].
والنشرة هي حل السحر عن المسحور ومراده بكلامه هذا
النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية، وهي: سؤال الساحر ليحل السحر، أو حله بسحر مثله
من ساحر آخر.
أما حله بالرقية والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس
بذلك كما تقدم. وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم، والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح
المجيد رحمة الله عليهما، ونص على ذلك أيضا غيرهما من أهل العلم.
والله
المسئول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء، وأن يحفظ عليهم دينهم، ويرزقهم الفقه
فيه، والعافية من كل ما خالف شرعه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله
وصحبه