" وحيدة على الطريق Alone at the Road "
تحميل بصيغة pdf


استيقظت ليندا عند تمام الساعة السادسة صباحا منهكة من عمل الأمس , دخلت الحمّام و غسلت وجهها و أسنانها و بدأت في تناول وجبة إفطار خفيفة مع كوب من الشاي الأخضر و ارتدت ملابسها الرياضية و أخذت مسجلها الصغير كل يعطيها بعض الحماس و شرعت في ممارسة رياضتها المفضلة وهي الركض حول منزلها الريفي الذي يمثل الأصالة الريفية في ضواحي لندن ......

ليندا تعيش بمفردها في منزل ريفي منعزل عن المدينة , بحكم عملها كمدّرسة لمادة الحساب في مدرسة ابتدائية التي تبعد عنها بنصف ميل تقريبا ........

أغلقت باب منزلها بإحكام شديد و أخذت تنظر إلى السماء الصافية و الشمس الساطعة و تسمع لصوت تغريد الطيور و كأنها موسيقى تنشرح لها القلب و تصفى لها النفس , و تتأمل الهواء النقي من حولها الذي يداعب شعرها مما تناثر على وجهها بشدة فعقدته بإحكام و أخذت تركض بعدما وضعت سماعات الأذن على آذانها لسماع الموسيقى ...

بدأت تتحرك خطواتها الأولى وهي تبتعد بعيدا عن البيت رويدا رويدا في اتجاه الشرق و تركض و تركض حتى شعرت بالإرهاق قليلا فأخذت رشفة من زجاجة المياة , ثم جثت على ركبتيها و هي مرهقة حتى رن هاتفها فجأة فأخرجته من جيبها و تقول : " مرحبا !! "
سمعت صوت خطيبها جون يقول لها : " مرحبا حبيبتي "
أخذت نفسها و قالت : " مرحبا جون كيف حالك ؟؟ "
- " صوتك ما به ؟؟ "
- " لا لا أنا مجرد أمارس الرياضة ليس إلا , كيف حالك أنت ؟ "
و هنا جلست ليندا على حافة الرصيف بهدوء و هي لا تزال تتحدث مع جون
فقال : " الحمد لله بخير و انتِ ؟؟ "
- " و انا أيضا شكرا على السؤال "
فقال لها : " متى سوف تعودي لندن ؟؟ "
- " في بداية الشهر الجديد سوف تجدني أمامك "
- " أنت إجازة اليوم أليس كذلك ؟ "
- " نعم لذلك أمارس رياضتي المفضلة "
" حسنا أكملي رياضتك الآن , عندما تصلي إلى البيت اتصلي بي "
- " حسنا "
- " أحبك ليندا "

ابتسمت و قالت : " و أنا أيضا احبك مع السلامة " و أغلقت السماعة و ظلت تنظر حولها لمدة دقيقة كاملة , فوجدت أمامها على الرصيف المواجه لها رجل بسيط يبيع الثمار الطازجة و يرشها بالماء البارد كي يجعلها نظيفة و لامعة فنهضت و لبست سماعات الأذن و أكملت جريها , و في تلك اللحظات أشارت إليه بيدها على سبيل الترحيب و لكنه لم يعرها اهتماما فظنت بأنه لم يراها ....

بعد مرور خمسة عشر دقيقة مرت سيارة واحدة فقط ذات الدفع الرباعي لمحت بها بعض الشباب يمرحون بشدة , و بعد عشرة دقائق أخرى عادت تلك السيارة ذاتها مرة أخرى من أمامها و لكنها مهشمة كليا من المقدمة , و أما ليندا كانت شاردة الذهن فكادت ان تصدم بها تلك السيارة فأدركتها فابتعدت مرتعدة عنها فورا بعد ان أفزعتها بشدة حتى مرت تلك السيارة فتوقفت عن الركض و نظرت خلفها في اتجاه السيارة عن سبب عودتها مهشمة هكذا و قالت : " لماذا لم يطلق البوق لقد كاد ان يقتلني هذا الغبي " , فأخذت آخر رشفة من زجاجة المياة و ألقت بها في صندوق القمامة عندما فرغت المياة منها ..
واستأنفت جريها مرة أخرى .....

ثم نظرت إلى ساعة يديها وجدتها تشير إلى السابعة و النصف صباحا حررت عقدة شعرها و انطلقت تركض في نفس اتجاهها , فلاحظت بوجد سيارة على حافة الرصيف يخرج منها الدخان و رجل يافع يحاول إصلاحها فمرت من أمامه دون ان تحدثه أو حتى أن تنظر إليه أو ينظر هو إليها .....

فظلت تركض حتى رأت سرب من الطيور يتحرك في اتجاه واحد و يدور حول نفسه و لا يتعدى منطقة معينة التي تريد هي الوصول إليها , حتى مرت من أسفل هذا السرب و فشعرت بأنها صدمت بشيء ما قوي مما جعلها تتوقف عن الحركة , فنظرت إلى السماء فوجدت هذا السرب يتحرك كما هو فتنفست صعداء أكملت جريها حتى سمعت صوت صرخ و كأنه نغمة منتظمة يقول : " آ آ آ آ آ " .. . .

ربما تلك العبارة غير مفهومة لأنها ترتدي سماعات الأذن و تستمع إلى الموسيقى لذلك لم تهتم فأكملت مسيرتها حتى لاحظت بأن حركتها قد بطئت قليلا من رغم أنها تركض بسرعة و كأنها تركض عكس الجاذبية فأغمضت عيناها و ظلت تركض و تركض و هي حالما وسط تلك الموسيقى الهادئة حتى شعرت بأنها في مكان غير المكان التي كانت عليه منذ قليلا . . . . .

توقفت فجأة و خلعت سماعات أذنها و أخذت تتلفت حولها بجنون و بسرعة يمين و يسارا و لكن الاتجاهات كلها تشبه بعضها البعض . . .
قالت لنفسها : " ربما أكون تائهة ؟؟ "

أخذت هاتفها كي تتصل بأحد و لكن رأت على شاشة هاتفها " لا إشارة "

نظرت الى السماء رأتها ملبدة بالغيوم الكثيفة و كأنها ستمطر حالا و الظلام يبدوا بأنه قد حل و لكن ساعتها تشير الى الثامنة و الربع صباحا و لكن ... و لكن أنها متوقفة عند الثامنة و الربع صباحا ولا تتحرك ...

صدمت ليندا فدفنت وجهها بيدها و جثت على ركبتها و قالت لنفسها بصوت واضح : " اين انا ؟؟ "


فأخذت تتلفت حولها مرة أخرى كي تعود من حيث أتت و لكن الطرق كلها واحدة ولا سبيل للهداية او النجاة ..

جلست على إحدى الأرصفة كي تفكر بطريقة للعودة فأخرجت من جيبها هاتفها مرة أخرى و لكن رأت نفس العبارة على الشاشة فسرعان ما ألقته بعيدا بغضب شديد ...

بالرغم من ان الرصيفان يشبه بعضهم البعض إلا أنها رأت منزل يريد ان ينقض فظنت ان هناك أحد ما , فذهبت نحوه بهدوء و بحرص شديد و لكن لم تجد فيه أحدا و الظلام بدأ في توسعه و الرؤية تنعدم أكثر فأكثر و المسكينة ليندا حائرة و تريد تفسير لما يحدث لها فظنت انه مجرد حلـُم و لكنه طال فلم يعد لها أمل بأن تعود على نفس مسارها , حتى بدأت السحب تهطل أمطارها بشدة مما عسّـر سيرها فوصلت الى الطريق ذاته فرأت من على بعد إضاءة قادمة بسرعة عالية فأقترب أكثر فأكثر . أنها سيارة نعم أنها سيارة قادمة بعكس اتجاه سير ليندا عند الصباح ....

أطمئنت ليندا قليلا عندما رأت تلك السيارة قادمة نحوها فسرعان ما وقفت في منتصف الطريق و أخذت تلوح بأيديها يمين و يسارا حتى توقفت السيارة أمامها ...

فاقتربت ليندا نحو السائق فوجدته شابا ثملا مما أفزعها قليلا و قالت له : " من فضلك أريد الذهاب الى بيتي و يبدوا بأني تائهة في هذا المكان و .... "

و قبل ان تكمل كلامها قال لها الشاب الثمل : " ما اسمك يا فتاة ؟؟ "

- " اسمي ليندا "

سمعت صوت ضحك لتجد فى الخلف شابين آخرين و كانت ضحكتهم تنم عن شي ما لم تكن تعي له ....

- " هل تسمحوا لي بأن انضم إليكم و ان تصلوني الى بيتي ؟؟ "

فحدثها الشاب : " بيتك ؟؟ و ما المشكلة ؟؟ "

و هنا أطلق هذا الشاب صفارة لأصدقائه , فلم تلاحظ إلا ان الشباب أصبحوا أمامها و كادوا ان يتحرشوا بها فابتعدت عنهم مسافة لا تزيد عن خمس أقدام و قالت : " ما الأمر ماذا تريدون ؟؟ "

اقترب احدهم منها بهدوء و قال : " لا شي أنتي تريدي توصيلة و نحن نريد الثمن ؟؟ "

بينما هو يقترب أكثر و هي تبتعد أكثر فأكثر قالت : " حسنا سوف أعطيكم ما تريدون من مال "

- " لا لا يا عزيزتي لا نريد مالا بل نريد شيئا آخر"

أصاب ليندا الاستغراب و الخوف الشديد من هؤلاء الوحوش , فلم تستطيع ليندا الرد عليه سوى بصفعة على وجهه و الهرب بأقصى سرعة .....

و لكن لم ييأس هؤلاء الوحوش بل استمروا بمطاردتها حتى كادوا ان يصلوا إليها و لكنهم فشلوا بسبب شدة تأثير الكحول عليهم وشدة الأمطار مما مكنها من ان تركب سيارتهم الرباعية , و لأنها لا تعرف أساليب السير صدمت السيارة بشجرة كبيرة مما حطم مقدمة السيارة بشدة و فقدت ليندا الوعي ....

استيقظت ليندا عن الصباح فوجدت نفسها ملقاة بين أحضان الرصيف , ملابسها ممزقة , وشعرها منفوش , و حالتها يرثى لها , تحاول ان تتذكر ما حدث معها و لكن كل ما كانت تتذكره فقط في تلك الليلة هو الآلام ....
ظلت تصرخ بشدة و تضرب نفسها بيديها : " لقد اغتصبوني ... لقد اغتصبوني هولاء الكلاب ... "

وقفت كي تعود إلى حيث ما كانت فبدأت تمشي بهدوء ثم بهدوء بسبب إعياءها , ثم بدأت تركض كي لا احد يراها بهذه الحالة المشينة حتى صدمت بشخص ما ....

أنها ليندا نفسها تلبس سماعاتها و فرحة و تسمع للموسيقى الهادئة و تركض حتى صدمت بها هي الأخرى ..

فوقعت ليندا المغتصبة على الأرض ولا تقوى على نهوض بينما ليندا الأخرى نظرت الى سرب الحمام ثم بدأت بالركض و لم تكترث بماذا صدمت ...

حتى صرخت ليندا الملقاة على الأرض و قالت : " لا ااااااااااااااااااااااااا " بصوت واحد و كأنه نغمة منتظمة ..

كانت تريد منعها من عبور المنطقة التي تقع أسفل سرب الحمام لأنه بلا شك هو العبور لهلاكها . . .

بائع الفاكهة لم يراها لذلك لم يرد لها التحية ...

أنها السيارة ذات الدفع الرباعي التي مرت عند الصباح و بها الشباب من أمام ليندا و لكن لم يراها احد من هؤلاء الشباب , و عندما عادت مرة أخرى كان الظلام قد حل و كانت الجريمة قد ارتبكت و السيارة تحطم مقدمتها بالفعل , لذلك لم يطلق البوق لها عندما كاد ان يصطدم بها لأن السائق لم يراها مطلقا لأنها لم تكن موجودة ...